يجلسان على النيل في منطقة الزمالك، ينظران للأعلى..
(1)
مواعيدها دائمًا لا تكون أبكر من وقت غروب الشمس.. اتصلتْ به خصيصًا، يوم الأحد عصرًا -اليوم السابق- لتخبره أنها تود لقائه غدًا الاثنين، 21 ديسمبر/ كانون الأول 2020، بعد الخامسة عصرًا إن كان وقته يسمح بذلك. السماء يمكن رؤيتها بوضوح في تلك المنطقة، هناك في الأعلى جُرمين مضيئين بجوار بعضهما البعض. أخبَرَته من قبل كيف يفرّق بين الكوكب والنجوم. بمجرد وصولهما، لم تخبره بشيء، فقط تبحث عن مكان مناسب للجلوس على النيل.
كان ينظر إليها بشغف غريب هذه المرة، يرى أنها سعيدة نوعًا ما رغم ما ألمّ بها من آلام، وجهها اليوم مشرقًا تعلوه ضحكة متحمسة وبلهفة لشيء ما.. اختارت لهما مكانًا مظلمًا بعض الشيء على النيل، واخبرته أنه سيشهد الليلة حدثًا ربما لن يشهده مرة أخرى في حياته. حدث فلكي لم يُرى بالعين المجردة في السماء منذ نحو 800 عام. «اقتران عظيم» بين كوكبين؛ كوكبا المشتري وزحل الغازيان سيكونان على مقربة جدًا من بعضهما البعض يصلا حد الاندماج، في حدث فلكي نادر ربما لن يتكرر إلا في العام 2080.
هو لا يحب الفضاء كثيرًا، لكن يحب أن يعرف أي معلومة، ويحب شغفها بالفضاء والفلك أكثر، ويحب عينيها اللتان تتلألآن فقط وبوضح عندما تتحدث عن النجوم.. عندما تتحدث عن أكثر شيء تحبه.
(2)
يجلسان على النيل في منطقة الزمالك،حل الليل أخيرًا..
ابتدأ الكوكبان بالظهور وحدهما وسط تلوث القاهرة الضوئي. أحضر مشروبين دافئين، وظل يراقب حديثها عن اقتران الكوكبين وعن ذلك الحدث النادر، وكيف يحدث ذلك مرة في العمر! كان صوتها يعلو شيئًا فشيئًا نتيجة حماسها بتلك الظاهرة، وظل هو منصتًا إليها يراقب نظراتها المتنقلة بينه وبين السماء، يراقب كيف أن عينيها سعيدتان، ضحكتها تتسع كلما أشارت إلى نجم استطاع الظهور وسط التلوث الضوئي.
وكعادته -التي تحبها فيه وتكرهها في الوقت نفسه-؛ هوى بسؤاله الذي يعرف أنه سيعكر صفو تلك الجلسة الشاعرية، النادرة، سألها قائلا: «لماذا اخترتيني أن أكون معك عندما تشاهدين هذا الحدث؟ لماذا لم تكتفي بمشاهدته وحدك، على الأقل سيكون أكثر متعة لو كنتي تعيشين تلك اللحظة بمفردك، أليس كذلك؟
نظرت في عينيه ثم إلى بعض النجوم الظاهرة والكوكبين مرة أخرى، وأجابت: «عندما أحب شيء ما بدرجة كبيرة، فإنه يشعرني بعدة مشاعر متداخلة لا أستطيع تفسيرها سوى أنها حدث جلل، وتلك الأحداث الفريدة أفضل أن يختبرها شخص آخر معي، شخص هو بالنسبة لي ليس كالجميع، شخص واحد أجده جديرًا بأن أهديه تلك التجارب ويعيشها».
ثم نظرت إليه مرة أخرى بابتسامة خجولة، تتناول رشفات من كوب قرفة دافئ. نظرت للأعلى مجددًا، وكانت تحثه على النظر إلى السماء أيضًا، على الكوكبين، فلم تأت به إلى هنا ليحدق فيها.. ظلا ينظران إلى الأعلى، ويراقبا المشهد الفلكي البديع عن كثب، وحاولوا تصويره عدة مرات، إلى أن نجحا في ذلك.
كوكبان جميلان مختلفان عن بعضهما، قرّبهما الزمن، وسيحظيان بتلك المسافة القريبة حتى يبتعدا مجددًا، وحتى يجمعهما موعد اقتران آخر بعد عشرات الأعوام، سيكون هذين الاثنين بجلستهما الشاعرية، الفريدة تلك، غير موجودين.
سرد رائع.. إذ كنت من محبي النجوم والظواهر الفلكية، أنصحك بمتابعة” مدونة ماريسي” ، كل شهر يكتب مقالة لأهم الظواهر و الأحداث الفلكية.
إعجابLiked by 1 person