مصادر غير تقليدية للمياه. مصدر الصورة: Svetlana Sinitsyna/unsplash
مع تفاقم أزمة تغير المناخ، ومع زيادة عدد السكان في جميع أنحاء العالم، يشكّل نقص المياه أكبر تهديد للتنمية البشرية والأمن.
يواجه واحد من كل أربعة أشخاص على وجه الأرض نقصًا في مياه الشرب والصرف الصحي والزراعة والتنمية الاقتصادية. ومن المتوقع أن تتفاقم نُدرة المياه في مناطق مثل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا -التي تضم 6% من سكان العالم- وتمتلك 1% فقط من موارد المياه العذبة في العالم.
تعتمد موارد المياه التقليدية على الأنهار والأمطار وسقوط الثلج، لكن هذه الموارد ليست كافية لتلبية الطلب المتزايد على المياه العذبة في المناطق التي تعاني من ندرة المياه.
لحسن الحظ، تمتلك الأرض موارد أخرى للمياه، على سبيل المثال: ملايين الكيلومترات المكعبة من المياه الجوفية في طبقاتها، في الضباب والجبال الجليدية، وفي ثقل آلاف السفن، وفي أماكن أخرى.
يحدد كتابنا المُعَنْون «موارد المياه غير التقليدية» -المستند إلى أحدث المعلومات- ثمانية فئات واسعة من موارد المياه غير التقليدية.
موارد المياه غير التقليدية
1. استمطار السحب وحصاد/ جمع الضباب
يحتوي الغلاف الجوي على ما يقدر بنحو 13 ألف كيلومتر مكعب من بخار الماء. اليوم، يبلغ الطلب العالمي السنوي على المياه العذبة حوالي 4600 كيلومتر مكعب.
يمكن التقاط بعض بخار الماء في الغلاف الجوي من خلال استمطار السحب، وجمع المياه من الضباب.
*استمطار السحب: هي عملية بذر -تزويد- السحب بجزيئات صغيرة من يوديد الفضة شائعة الاستخدام لجعلها تمطر أو تُسقِط ثلوجًا.
يمكن أن تؤدي عملية استمطار السحب إلى زيادة هطول الأمطار بنسبة تصل إلى 15% في ظل الظروف المناسبة. يتم إيصال مواد البذر إلى السحب مباشرة باستخدام الطائرات والصواريخ للحصول على أعلى إنتاجية.
أما عن حصاد/ جمع الضباب فهو يحدث بالفعل في أجزاء مختلفة من العالم، إذ استخدمت المجتمعات النائية في دولٍ مثل شيلي، المغرب وجنوب إفريقيا شبكات عمودية لحصاد الضباب لأكثر من 100 عام. عادة ما تكون المواقع الصالحة للحياة مواقع مفتوحة تقع على ارتفاعات عالية إلى حدٍ ما، وفي مسار تدفق الرياح.
كما ساعدت التطورات في المواد والمعرفة المحلية في تطوير تصاميم فعّالة في جمع المياه. في بعض الأحيان يمكن جمع أكثر من 20 لترًا في يوم ضبابي كثيف لكل متر مربع من الشبكة (شبكة حصاد الضباب). يمكن أن يكون متوسط تكلفة اللتر أقل من سنت أمريكي واحد.
2. تحلية المياه
تساهم تحلية المياه (إزالة الملح من مياه البحر) بأكثر من 100 مليون متر مكعب من المياه يوميًا، وتدعم حوالي 5% من سكان العالم. يقع ما يقرب من نصف القدرة العالمية لتحلية المياه -48%- في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
تشهد عملية تحلية المياه تطورات جديدة قد تجعلها من موارد المياه غير التقليدية الأقل تكلفة في جميع أنحاء العالم. كما تعمل التقنيات المبتكرة على تقليل مدخلات الطاقة بنسبة 20% إلى 35%.
تنتج تحلية المياه كميات هائلة من المحلول الملحي، وهو أحد الملوثات المثيرة للقلق. لكن استخراج الأملاح من المحلول الملحي لإنتاج منتجات فعّالة تجاريًا يمكن أن يعوض تكلفة إنتاج المياه المُحلّاة في العقد المقبل.
3. إعادة استخدام الماء
يمكن لأنظمة المعالجة المتقدمة تحويل المياه العادمة (مياه الصرف الصحي) إلى مياه صالحة للشرب. مثلًا في ويندهوك، عاصمة ناميبيا، توفر مياه الصرف الصحي المعالجة 25% من إمدادات المياه الصالحة للشرب.
اليوم، تتم معالجة حوالي 70% من مياه الصرف الصحي -المحلية- في البلدان ذات الدخل المرتفع، أما في البلدان منخفضة الدخل فيتم معالجة 8% فقط من مياه الصرف الصحي. يقدّر الحجم السنوي لمياه الصرف الصحي غير المعالجة في البلدان منخفضة الدخل على مستوى العالم بـ 171 كيلومتر مكعب فقط، لأن استخدام المياه للفرد في قطاع البلديات منخفض. تنتج أفرقيا السوداء (جنوب الصحراء الكبرى) -سنويًا-أقل كميات من مياه الصرف الصحي للفرد (46 متر مكعب)، أما أمريكا الشمالية تنتج ما يقرب من خمسة أضعاف.
أما قبول المياه العادمة المعالجة من قِبل الناس وصانعي السياسات ما زال يمثّل تحديًا.
4. مياه الصرف الزراعي
ينتج عن الري بشكل عام نوعان من مياه الصرف: المياه على السطح، والمياه التي تتسرب إلى جوف الأرض. يمكن جمع مياه الجريان السطحي واستخدامها مرة أخرى في زراعة الغذاء. صحيح أن ملوحة مياه الصرف أعلى، لكن المحاصيل التي تتحمل الملوحة والأصناف الجديدة (مجموعة من النباتات لها نفس التركيب الوراثي) يمكن أن تواجه هذا التحدّي.
5. المياه الجوفية قليلة الملوحة في قاع البحر
توجد كميات هائلة من المياه -تقدر بـ 300 ألف – 500 ألف كيلومتر مكعب- في طبقات المياه الجوفية (طبقات من الصخور قابلة للاختراق تحتوي على المياه الجوفية) قبالة شواطئ القارات حول العالم. تم تكوين هذه الطبقات منذ ملايين السنين عندما كان مستوى سطح البحر أقل بكثير. تقع هذه الطبقات في أعماقٍ ضحلة وأقل من 100 كيلومتر من الشاطئ.
توفر طرق الاستكشاف الكهرومغناطيسية البحرية الحديثة صورًا تفصيلية للمياه العذبة في قاع البحر، كما تتيح تقنيات الحفر الأفقي ضخ المياه إلى الشاطئ.
لم يتم تطوير أي موارد للمياه العذبة في قاع البحر حتى الآن، ولا تزال التكنولوجيا جديدة تمامًا، وسيكون استغلال المورد مكلّفًا، كما يجب أن يتم دمجه مع تحلية المياه.
6. المياه الجوفية معتدلة الملوحة
توجد طبقات المياه الجوفية العميقة التي تحتوي على المياه قليلة الملوحة أو المالحة بأحجام تقدر بملايين الكيلومترات المكعبة. تستفيد بعض الدول، مثل الأراضي الفلسطينية المحتلة «إسرائيل» وإسبانيا، منها بالفعل. إنه مكلف، ولكن هناك طرق لتقليل التكاليف المرتفعة، مثل إعادة استخدام الملح المستخلص (ملح البحر). ويمكن للمزارعين الاستفادة من تقنيات تحلية المياه من خلال التحول إلى زراعة المحاصيل عالية القيمة (هي المحاصيل التي توفر للمزارع أعلى عائدات صافية لكل هكتار، قد تشمل الذرة الهجين، البطاطا، الخضروات، التوابل والفواكه).
7. جمع مياه الأمطار على نطاق صغير
في البيئات الجافة، يُفقد أكثر من 90% من مياه الأمطار بسبب التبخر والجريان السطحي. يعد جمع مياه الأمطار -من منطقة تجمع مياه صغيرة نسبيًا- ممارسة قديمة مصممة لحصر المياه وجمعها من تلك المناطق، وعادة ما تكون من 10 إلى 500 متر مربع. تستخدم هذه الطريقة مجموعة واسعة من التقنيات، بدءًا من جمع المياه من الأسطح والصهاريج إلى المزارع والتضاريس الطبيعية بما في ذلك التلال الكنتورية (هياكل أرضية صغيرة يتم إنشاؤها عبر المنحدرات على الأراضي المزروعة)، الحواجز، أحواض وقنوات الجريان السطحي الصغيرة.
8. نقل المياه وإيصالها إلى المناطق التي تعاني من نُدرة المياه
تنقل السفن نحو 90% من البضائع في جميع أنحاء العالم، وتفرّغ حوالي 10 مليارات طن (10 كيلومترات مكعبة) من مياه «الصابورة» سنويًا. مياه الصابورة (مياه الاتزان في السفن) هي مياه عذبة أو مالحة توجد داخل السفن حتى تحافظ على استقرارها واتزانها أثناء رحلتها في البحر.
بموجب الاتفاقية الدولية، يجب أن يكون لدى جميع السفن، التي تبلغ حمولتها الإجمالية 400 طن وأكثر، خيارات معالجة على متنها لتحلية مياه الصابورة، وإزالة الكائنات المائية الدخيلة والمركبات الكيميائية غير الصحية، وجعلها مياهًا قابلة للاستخدام في الأنشطة الاقتصادية الأخرى مثل الرّي. يمكن أيضًا بيع هذه المياه للمدن الساحلية في المناطق القاحلة.
هناك مصدر آخر للمياه يمكن نقله فعليًا إلى مناطق شحيحة المياه هو الجليد. يوجد أكثر من 100 ألف جبل جليدي في القطب الشمالي والقطب الجنوبي يذوب في المحيط سنويًا، ويحتوي على مياه عذبة أكثر مما يستهلكه العالم.
يشير «تحليل الجدوى المالية لسَحب الجبال الجليدية إلى كيب تاون في جنوب إفريقيا» إلى أنه خيار جذاب اقتصاديًا إذا كانت الجبال الجليدية المراد سحبها كبيرة بما يكفي: 125 مليون طن على الأقل. تشير الدراسات إلى أن تغليف الجبال الجليدية في شبكة، ثم في كيس ضخم من المحتمل أن يمنع تفتتها ويقلل من ذوبانها أثناء عملية السحب.
تفاقم ندرة المياه تعد سببًا رئيسيًا للصراع والاضطرابات الاجتماعية والهجرة. كما يُنظر إلى المياه على أنها أداة للتعاون الدولي لتحقيق التنمية المستدامة. لذا من الضروري الاستفادة من كل خيار متاح.