لا أتحدث هنا عن ميلاد كائن حي، بل عالم كامل.. ربما.
في أواخر العام 2010 تقريبًا وفي بدايات العام 2011، أثناء أحداث ثورة 25 يناير/كانون الثاني؛ كانت بداياتي الأولى على شبكة الإنترنت، لأنني أتذكر تاريخ تسجيل أول حساب لي على فيسبوك في شهر مارس/ آذار 2011. لكن قبل ذلك، كنت أستخدم الإنترنت بصورة صحيحة في التعلّم، والتواصل مع أساتذة الجامعات في مختلف التخصصات. تعلمت اللغة الإيطالية، وكنت منتظمة الدخول إلى نادٍ علمي، حيث يقوم أعضاء النادي بشرح وحل مسائل فيزياء في مختلف المجالات، وفي كافة المراحل العمرية بإشراف مجموعة من أساتذة الجامعات حول العالم.
في ذلك النادي، كان الأمر يتطلب فقط ذكر التخصص الذي تود فهمه وتعلمه، وتوضيح أنك طالب في الجامعة. وعندها يبدأ النظام في النادي بالعمل ليوفر لك أستاذ الجامعة المناسب، والمجموعة المناسبة. اليوم، لا أتذكر اسم الأستاذ الذي حرص على تعيلمي في الفيزياء ولا اسم الموقع (النادي)، أتذكر فقط مجرد طيف خفيف لشكل الموقع، حيث كان بخلفية بيضاء مائلة لدرجة «البيج».
بمرور الأيام والتوغل أكثر في عالم الإنترنت، فيسبوك، تعرفت على بعض الأشخاص -ولا داع لذكر مدى مراهقة هذه الأيام-، ثم عالم «المدونات». كان الأشهر -بخلاف المنتديات- كان موقع بلوجر لإنشاء المدونات الخاصة. لدي مدونة عتيقة هناك فضّلت الاحتفاظ بمحتواها لنفسي، نظرًا لما تحويه من حكايات وقصص لشابة صغيرة، كانت تكتب موضوعات جيدة بأسلوب غير جيد بما فيه الكفاية. أسلوب طفولي، عفوي، غير مرتب الأفكار، مجرد كلمات وجمل لها معان واضحة ومشاعر صادقة. قصص من خيالها وأخرى من يومياتها في الجامعة، وحدتها، طموحاتها وأحلامها التي لم تتحقق.
هي مدوّنة عتيقة لكنها ليست للعامة ولا للنسيان أيضًا. ففي بعض الأحيان أرجع إليها، أعود بالزمن عندما أبدأ بقراءة كلماتي التي تُصدّر لي مرحلة عُمرية لم أكن أدركها أو أتخيلها لنفسي آنذاك. أتطلع إلى تلك الروح البسيطة التي كانت رائقة البال نوعًا ما، والتي يمكنها صنع قصة خيالية من مجرد يوم ممطر عايشته في الجامعة، حيث تضفي الغيوم بظلالها على شبابيك الممرات الزجاجية.
على جانب آخر، كان لدي مدونة شبه أرشيفية لأحداث الثورة المصرية، لكنني فضلت الاحتفاظ بها لنفسي أيضًا، لما فيها من قصص حقيقية غاب أصحابها لأسباب عديدة. بمرور الوقت بدأت أتطور في التعرف على عالم المدونات، حتى وصلت إلى ووردبريس، والتي علمتني كثيرًا عن عالم التدوين، وما زلت أتعلم الكثير عنها.
أتذكر جملة من فيلم «Ratatouille»، عندما وجه ريمي كلامه لشقيقه قائلًا:
يمكنك ملء آلاف الكتب بأشياء لا يعرفها عنك والديك.
وأنا هنا أقول، أن بإمكانك ملء الفضاء الإلكتروني بالعديد من القصص والحكايات التي لا يعرفها أحد عنك، وأيضًا لن يعرف أحدًا أنها تنتمي إليك..
لكن، تمنيت دائمًا أن يكون لي مساحة خاصة، جيدة إلى حدٍ ليطلع عليها العامة. مساحة أستطيع فيها الحَكَي، مشاركة قصص مختلفة، يوميات (حيث أنني خصصت قسمًا لذلك)، الروتين، العمل، القراءات، السفر.. إلخ.. اليوميات جيدة، فيها الكثير من الأحداث والمواقف واللحظات التي تكوّن حياتنا.. اليوميات هي من تصنع عالمنا.. يومًا بعد يوم تجد أنك أكملت أسبوعًا.. ولَك أن تتخيل ما الذي يمكن أن يحدث لك خلال أسبوع، فما بالك بسنوات. سنوات كانت لحظة ما عبارة عن أيام مبعثرة.. على المرء فقط أن يختار بعناية ما يود الإفصاح عنه للناس.
لهذا أسميتها «قعدة بلكونة»، «قعدة»/مساحة للحكي، وبهذا أصبحت هنا. مُدوّنة شخصية، متواضعة، فيها بعض الإفادة، آمل أن تكون مساحة جيدة لي، ولمن أراد البقاء هنا بضع دقائق. سيظهر عليها بعض التحسينات بالطبع، لكن آمل أن تكون هذه المساحة هي مكان وجودي دائمًا.